الأربعاء، 23 أبريل 2014

الأنا الذكورية على منصة (امرأة نخلة)



الأنا الذكورية على منصة (امرأة نخلة)

ليس لي أن أنتصب انتقادا بين يدي بنات أفكار شاعرية مثل أدبيات شاعرنا الذي يقف على قمة من قمم الجمال لا تحتاج منا إلى طول نظر لالتماسها.. فمحي الدين الفاتح عودنا أن ينقلنا إليه عبر موسيقاه و شاعريته بما لا يفسح المجال إلا للانحناء أمام أحاسيسه. غير أن أحاسيس أنوثتي تدعوني –بتوسل إلى الشاعر لمغفرة اقتراف جريمة التطاول على أفكار هذه القصيدة نتيجة صدمة جندرية طالت امرأته فطالت من ثم كبريائي في غباء- تدعوني لتجاوز جماليات النص -إلى حين عودة- والاتجاه نحو إنصاف المرأة تلك أم النخلة لا أدري فكلتاهما مظلومتين تحتاجان إلى الإنصاف والترفع عن جو المثالية قليلا، فالبطولة حد خروجها إلى أسطورة قد تشكل عيبا من عيوب النظر لإنسانية الإنسان وأنسنة النبات!!
وأنا طفل يحبو
لا أذكر كنت أنا طفل يحبو
لا أذكر كنت أنا شيئا
بل قل شبحا يمشي يكبو
سؤال ابتدر ذهني مثلما ابتدرت تلك الكلمات القصيدة،، ما الشبح الذي عبر به عن (أناه)؟! صورة عاتمة لمرحلة طفولة يُفترض أنها للهو والحرية والفرح ربما ستنعكس عليه بعد أن يكبر في القصيدة!! هل لأنه كان يكبو ولا يستطيع السير جيدا؟! ربما، فالسير مرحلة من مراحل الحرية التي افتقدها آنذاك!!
دوما ما تكمن روعة الأشياء في انكسارها،، ودوما ما يعتلي الحزن منصة الجمال والإعجاب، ودوما ما يعبر الأدب عن خوالج النفوس وانعكاسات الأشياء الداخلية على ما يكتب من نصوص.. إذن هل نسطيع إحالة الأمر من مفردية أنا الشاعر إلى جماعية الأنا الذكورية السودانية وربما العربية وقد تتجاوزهما إلى الغربية؟! أليس البشر واحدا في تكوينتهم ومتطلباتهم؟! إذن فلننظر لرغبات الرجل في النظر إلى سقوط المرأة برضا انتحاري على بركة قساوته،، شرط السقوط دائما أن تكون عاليا!! وهذا عزاء كبرياء الأنثى داخلي.
التطلع هو النظر إلى الأعلى دوما،، وشيء ما حدا بالشاعر لارتكاب جريمة التفكير في إسقاط ما كان عاليا فقط بأمر من حجر!!
كنا ثلة
قادتها الحيرة ذات مساء
للشاطئ في يوم ما
إذ قامت في الضفة نخلة
تتعالى رغم الأنواء
تتراقص في وجه الماء
فإذا من قلتنا قلة
ترمي الأحجار إلى أعلى
نرمي حجرا تلقي ثمرا
حجرا ثمرا حجرا ثمرا
مقدار قساوتنا معطاء..
ما أوجع تلك الحقائق التي كانت الأنا الشاعرية جريئة في الكشف عنها،، وما أصعب السقوط برمي حجر!! وما أقسى أن تقترن القسوة بالروعة!!
يا روعة هاتيك النخلة!!
مقياس مقدار الروعة التي تراها عيونهم هو مقدار المعاناة التي تعيشها الثمرة المرأة وانفصالها عن هويتها وأصلها (النخلة).
ازدواجية النخلة والمرأة تلتقي عند عدة أشياء،، العطاء،، الأصالة،، الصبر على المعاناة والحرمان،، الصمود والموت حيتان!!
ومساوئ الرجل من خلال القصيدة بين الأنا الفردية الشاعرة التي تعْبُر إلى الجماعية وبين  الآخر ،، تتمثل في: *(القسوة):
(مقدار قساوتنا معطاء)
***
(نرمي حجرا)
*(الرغبة في الامتلاك بوسائل أنانية):
أتطلع لامرأة نخلة
*(تجاوز ألم الأخرى في سبيل الهروب من آلامه أو التعافي منها):
أتطلع لامرأة نخلة..
تحمل عني ثقل الدنيا
تمنحني معنى أن أحيا
*****************
وأنا ظمآن..
جادتني حبا وحنان..
أروتني دفئا وأمان..
كانت نخلة،
تتعالى فوق الأحزان!!.
ولشيءٍ من الإنصاف لِنسألْ: مالأحزان التي تواجه الأنا الذكورية والتي لا تتوافق بحال من الأحوال مع سيكولوجيتها فتدفعها لعقاب طرف آخر بل ومطالبته برد فعل عكسي يمحو عنه آثار تلك الإعاقة النفسية إن جاز لنا التعبير!!
- سيطرة الناظر، الألفة، سجن الفصل الدراسي،، الضرب، الخوف والرهبة.......
كل تلك القيود حدت به إلى البحث عن حريته وهُويته التي سيجدها لاحقا بما سيطبقه على من خلقت من ضلعه!! سر استكانة المرأة لهذا الوضع هو سر إلهي يكمن خلف خلق حواء من ضلع آدمي لذا أصبحت قادرة على تقبل فكرة أنها جزء منه وهو الكامل!!
ولبعض الاطراد –وقد يكون مفيدا- حكي فيما حكي أن امرأة سبقت أمنا حواء في الخلق،، كانت تدعى ليليث، كانت زوجة آدم في الجنة غير أنه (آدم) كان متذمرا من أنها لا تطيعه وتتعامل معه معاملة الند للند لأنها كانت مخلوقة من نفس الطينة التي خلق منها سيدنا آدم!! وهذا الشيء لم يستهو الرجل الذي بداخله فخلق له الله حواء من ضلعه لتطيعه رغم كل شيء وتصير المرأة النخلة التي تجتذبه وترضي غروره تماما... غضبت ليليث من حلول أخرى مكانها بل وتفوقها عليها في قلب آدم وبكل ما أوتيت من مقدرة حاربتهما معا فعاقبها الله بإرسالها إلى الأرض حيث قابلت الشيطان وتزوجت به وأصبحت تنجب في اليوم الواحد مائة طفل!! عندما أمرها الله بالرجوع والارعواء عما هي فيه ورفضت عاقبها بقتل مائة من أطفالها،، فصارت حاقدة على أبناء حواء مثل حقدها عليها حتى قيل أنها أصبحت روحا شريرة ما زال البعض يؤمن بوجودها ويخشاها،، فيصلون إلى حد تعليق تمائم للأطفال كي لا تقتلهم....... غرابة القصة ومدى صدقها لا يعنينا كما يعنينا المثال،
سرنا إذن هو ذاك الضلع الأعوج!!
أعوام تغرب عن عمري
وأنا أكبر
لأفتش عن ضلعي الأيسر!!
تتجلى الأنا الآدمية بوضوح..
وبعض رحلة الشاعر في البحث عن المواصفات (الحوائية النخلية) التي يبحث عنها يجدها!! تلك التي ستصبح ربما تردد ذات الذي يردده هو بلسانه في هذه القصيدة:  قبل أن يلتقيها، وكأنهما يتبادلان الأدوار:
ومضت تخرسنا الأجراس
وتكتم فينا الأنفاس
وتصادر منا الإحساس
وتبعثرنا شيئا حائر!!
أوليس هذا ما يحدث فعلا للمرأة عندما يمتلكها الرجل؟!
سيمضي لسان المرأة مرددا ذات الأبيات التي رددها الشاعر:
ومضت أيام
جفت صحف
رفعت أقلام
فإذا أعوام الدرس المرة مقضية
(غير أن الدرس هنا يتحول معناه من درس المدرسة الذي عناه الشاعر إلى درس الحياة الذي ستتلقاه المرأة)
وبدأنا نبحث ساعتها
عن وهم يدعى الحرية
(ستتغير مفاهيم المرأة للحرية بمراحل تفهمها لطبيعة الرجل،، بعدها ستساق لنفس الإيمان الذي كاد يساق إليه الشاعر أو فعل!)
وكدت أساق إلى الإيمان
أن الإنسان
قد أوجد خلف القضبان
والبعض على البعض السجان
في سجن يبدو أبديا!
ألن تدفعها كل تلك الأشياء لذات الأحاسيس التي كان يحسها قبل أن يلتقيها؟!
لكأني أحرث إذ أبحر
لا شط أمان لا مرفأ
وجراحي كمصاب السكر
لا تهدأ بالا لا تفتر
لا توقف نزفا لا تشفى...
جزء هذا مما أردت قوله تلاشى أكثر منه مابين التفكير والكتابة،، ومابين ثنايا ذلك النص تستطيعون النظر في الأنا الذكورية واتجاهاتها في اختيار كيفية سقوط نخيلها،، لها أن تفعل ذلك!!  لكن ليخف من ذات مصير الشاعر في ضياعها إثر كتمها لعدم مقدرة التحمل، كي لا يصير يردد بلسان الشاعر:
فتوقف نبض السنوات
في أقسى أطول لحظات
تتساقط بعض الكلمات
تنفرط كحبات العقد
فكان وداعا دون دموع
كان بكاء!!
لأفارق أجمل ما عندي
وكان قضاء أن تمضي
كي ابقى وحدي!!

وللأنا الأنثوية أن تتنازل عن مثاليتها قليلا حتى لا يصير شعارها:
فانفض بداخلنا السامر
وانحسرت آمال الآتي
من وطأة آلام الحاضر!!
ليس كل ذلك سوى محاولة شد وجذب استوقفنا عندها بحر جمال هذه القصيدة الرائعة،، وليس للنساء إلا الاعتراف بأهمية وجود الرجل في حياتهن،، كما ليس للرجال إلا المواصلة في رحلة البحث عن نساء نخلات بمعايير جديدة،، على أن يُبْقي على ثمرها دون إهانته برمي حجر،، ولنا أن نغفر للشاعر لاختتامه القصيدة بحزن صادق ينم عن حب كبير يؤكد عفوية رمي الحجر في السابق:
لكنا
رغم تفرقنا
يجمعنا شيء في الأعماق
نتلاقى دوما في استغراق
في كل حكايا الأبطال
نتلاقى
مثل الأشواق
تتسق بليل العشاق
نتلاقى في كل سؤال
يبدو بعيون الأطفال
ولئن ذهبت
سأكون بها
وكما قالت
فبقلبي أبدا ما زالت
ريحا للغيمة
تدفعها حتى تمطر!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق